إن موقف الإسلام من الموسيقى أمرٌ كان وما يزال محل نظر أولي الأمر والأئمة ورجال الدين من المسلمين وأيضاً المتخصصين في علم الموسيقى والعاملين بها. إنّ الرأي السائد والموقف المبدئي هو أن الإسلام قد حرم عزف الموسيقى وسماعها لما فيها من بعد عن روح الدين الإسلامي.
لقد جاء الإسلام ليغير قيم وعادات مجتمع وصف بالجاهلي, وقد كان هذا التغيير كبيراً; من مجتمع كانت الخمرة والغانيات وتعدد الآلهة الزائفة من ميزات وصفات هذا المجتمع. لقد نقل الرسول هذا المجتمع من جهل وضلال إلى عبادة إله واحد قادر حكيم. وقد جاء بأن محمداً قال بأنه بعث لهدم المزمار, وهذا لا يعني بالتحديد تحريم الموسيقى, وإنما الغاء ما كان عليه العصر الجاهلي من انحراف ولهو وضلال وبعده عن الطريق القويم.
لقد حرم الرسول في بدء الدعوة الإسلامية الموسيقى لما فيها من بعد عن روح الإسلام,ولكنه فيما بعد, سمح به في المناسبات السارة ترويحاً للنفس وإشاعة السرور في المناسبات السارة كالأعراس وقدوم الضيف, وقد كان تحريمها لما كان يرافقها من خمرة ووجود الغانيات, ولما كان فيها من خلاعة وبعد عن أهداف الإسلام, ووجودها في بيئة مخالفة وبعيدة عن تعاليم وروح الدين الجديد.
لقد كانت الموسيقى عند النبي محمد من الأمور الدنيوية الزائلة, ولم تكوِّن جزءاً ذا قيمة من الدعوة الإسلامية.
إن امتياز الإسلام بالشمولية والواقعية والاعتداد يحتم قبول بعض الموسيقى ضمن شروط. إن موضوع المادة الموسيقية عليه أن يلائم تركيبة المجتمع الإسلامي القائم على الشورى, وعلى النظرة الواقعية التأملية للوجود والكون, مثال على ذلك موسيقى تصف الطبيعة والأزهار والرياحين.
من ناحية أخرى, فإن طريقة الأداء قد تنقلها من دائرة الحلال إلى دائرة الحرام, كأن تكون مثلاً في بيئة منحلة أو يرافقها خلاعة.
إن الموسيقى قد تكون مفتاحاً للهوى, فيجب أن لا يؤثر استعمالها على النواحي والواجبات الأساسية كالصلاة والدراسة, وأن الا تؤدي إلى الانحراف والضلال. إن المادة الأدبية وكلمات الأغاني المرافقة للموسيقى ذات أهمية: وأن تلتزم بآداب الإسلام وأخلاقه, فيجب أن لا يكون فيها فحش أو خنا أو ذم أحد من عباد اللّه المؤمنين, مثلاً أن يكون هناك وصف لطبيعة أو غزل لطيف بريء. ومن هنا فإن الابتهالات والأناشيد الدينية هي من صميم الدين الحنيف, وأيضاً الموشحات الدينية والأناشيد التي فيها ذكر اللّه وتسبيحه ومدح النبي الكريم.
إن الموسيقى العسكرية والأناشيد الوطنية تحظى بقبول كبير في الإسلام, وخاصة في أيام الجهاد, لما فيها من إذكاء للروح الوطنية والحماسة البنّاءة, ومن هنا أيضاً يأتي الفولكلور وتصبح الموسيقى وسيلة للتعبير الخلاق وتكون سبباً من أسباب تطور الثقافة وخدمة الإنسان.
إن الآلتين الموسيقيتين الوحيدتين اللتين تحظيان بالقبول بشكل قاطع في الدين الإسلامي هما الدف والطبلة. وهما الآلتان اللتان تستخدمان في شتى المناسبات الإسلامية في مختلف البيئات.
ومن ناحية أخرى, لا يمانع الإسلام أخذ الموسيقى كعلم من العلوم, وقد ظهر علماء مسلمون درّسوا الموسيقى نظرياً وعملياً وأبدعوا فيها. ومن هنا يحبذ استعمالها في التربية لما فيها من تهذيب للنفوس, واستعمالها في الأناشيد والتمارين الايقاعية الصباحية في المدارس.
ويجب ألا يكون تأثيرها على العقل ضاراً, فإذا أثرت على عقل الإنسان بشكل سلبي فهي حرام, والموسيقى المهيّجة للنفوس حرام, وأما الموسيقى التي تبعث على الفرح والسرور والطمأنينة فهي مباحة. ويحبذ استعمالها في أثناء العمل الثقيل للترويح عن النفس, كما يحب استعمالها وسماعها عند حدوث نعمة أنعمها اللّه على عباده كموسم زراعي جيد.
وجدير بالذكر أن الرسول محمد قد كرَّه جعلها مورداً للرزق وفضل العمل بغيرها, كما لم يستحب تضييع العمر في تعلم آلة موسيقية معينة.
ومن ناحية أخرى, فإن الموسيقى قد تستعمل كوسيلة للعلاج من الأمراض النفسية والعقلية, وقد استعملت لهذا الغرض منذ قدم التاريخ, فلا مانع أن تستعمل كهدف علاجي, وعلى المعالج أن ينتقي موسيقى ملائمة لحالة المريض المتعامل معه... هنا تكون الموسيقى إنسانية, شخصية واجتماعية, ويكون تأثيرها بناء علاجياً بوسئل وأساليب مختلفة.
إن الموسيقى هي فن الصوت, وهي سببٌ فعال إيجابي مؤثر لكثير من الحالات والأغراض الإنسانية. إن الإسلام بشموليته وواقعيته يقبل الموسيقى باعتدال ضمن شروط, إذا عبرت عن الفن الخلاّق والذوق السليم ضمن مفاهيم الدين الإسلامي الحنيف.