كيف تعاقبين طفلك؟ بالشدة أم اللين؟
تتفاوت أساليب الأهل في ضبط تصرفات أولادهم، فمنهم من لا يعتمد إلا العقوبة التي تراوح بين الشدة واللين، ومنهم من لا يعترف بهذا الأسلوب ويعمد إلى إدارة أمور أولاده من دون أية معاقبة.
ومن الطبيعي، أن تأتي أساليب الأهل مع أولادهم، كانعكاس لطريقة التربية التي تلقاها الأهل أنفسهم، فبعضهم يكون قد تعرض من وقت لآخر لعقوبة من والديه، فاعتقد أنها تشكل نهجاً قويماً للمعالجة أو وقعاً في ردة الفعل، فرفض هذا النهج بالكامل، وبعض الأهل كان يتلقى من والديه الإرشاد الإيجابي وحده فغلب عليه الظن أن في وسعه ممارسة الشيء نفسه مع أبنائه.
والمهم أن هناك من يغالي في عقوبة أولاده، وهناك من يعتدل، وهناك من يرفض هذا الأسلوب، فأيهم على حق؟
من البدهي القول إن التأديب للأولاد واجب وضروري، ولكن من البدهي القول أيضاً إن العقوبة ليست العنصر الأساسي والوحيد في عملية التأديب.
ويجمع علماء النفس، على أن المصدر الرئيس للتأديب الصحيح، هو أن ينشأ الطفل في اسرة ودودة محببة، فيتعلم كيف يحب الآخرين، ويبدأ بممارسة هذا الود في نحو الثالثة من عمره، إذ تكون مشاعره نحو الأطفال أمثاله قد تطورت بصورة كافية.
وقد يرغب الطفل في أن يصبح كأبيه، فيحصر اهتمامه بالأولاد ويلجأ إلى التهذيب مع البنات، أما الطفلة، فقد ترغب في مساعدة أمها في البيت وتكرس وقتها للعب بالدمى.
وهذا إن دلنا على شيء، فهو أن بواعث الطفل وحوافزه تكون طيبة في معظم الأحيان، غير أنه لا يملك من سعة الخبرة والاستقرار الذهني ما يمكنانه من الاستمرار في هذا الطريق الصحيح.
وهنا تأتي عملية الإرشاد من الأهل، التي تراوح شكلاً ومضموناً بين التوجيه والمعاقبة.
إلا أن ما يجب التأكيد عليه، هو أن مدى نجاح الإرشاد والتوجيه للطفل، يعتمد أساساً على الانسجام بين الأب والأم، إذ على قاعدة هذا الانسجام ينشأ الطفل، وتنشأ معه عاداته المكتسبة وطرق تصرفه واتجاهات تفكيره.
***
الحكمة والإقناع
وبقدر ما يجعل الأهل ابنهم معتاداً على أنهم يقصدون ما يقولون ويعونه تماماً، بقدر ما يكون وقع الإرشاد في نفسه أكثر، وإذا دعت الحاجة لممارسة العقاب ضده، فيجب أن يدخل هذا العقاب في مجال الإقناع، وليس بهدف جعل الطفل غاضباً، وإلا فإن هذه العقوبة فاشلة حكماً.
إن العقوبة بالضرب المبرح هي للحيوانات وليست للأطفال..
والعقوبة التي تستهدف تحميل الطفل شعوراً بالإثم الكبير، بعيدة كل البعد عن الحكمة والإصلاح.
والعقوبة التي تصل إلى حد ترك الحقد في نفس الطفل على أهله، لن تورث في ذاته سوى الحقد وذيوله وتفاعلاته..
والعقوبة التي تصدر وكأنها حكم من قاضٍ على متهم، تجعل الطفل أبعد عن مفهوم الأسرة وأقرب إلى مفهوم القضاء، إذ يظن أن المنزل هو مجرد سجن.
والعقوبة غير العادلة، تترك في نفس الطفل حرقة بليغة تدفعه لشتى التصرفات الهوجاء.
والعقوبة المنطلقة من الغضب أو المحملة بالتهديد، لا تنتج سوى (فشة غضب) الأهل، أو تخويف الطفل، وفي كلتا الحالتين فإن الإرشاد ضائع.