عندما يبكي الرجال
إعداد/ شريف بيومي
تعلمنا منذ صغرنا أن دموع الرجال لؤلؤة ثمينة وغالية، تعلمنا أن الرجل كالصخر قاسٍ جلد لا يبكي
وأن دمعته عزيزة وصعبة النزول...
قالول لنا "البكاء ليس للرجال" وقالوا لنا بأن المرأة دمعتها سخية جاهزة للنزول في كثير من الأوقات والمناسبات وذلك لأنها كما يقولون شديدة العاطفة والتأثر... فهل هذا التحليل منطقي؟
استوقفني عنوان هذا الموضوع عندما سمعته من أحد الأشخاص، مما دفعني للتفكير فيه طويلا... ترى متى يبكي الرجال؟ ما الذي يدفع هذه الدمعة الغالية إلى أن تخط طريقها فوق ثنايا وجه رجل؟... ما هو الأمر الجلل الذي يدفع بالرجال إلى البكاء؟ ما الذي يجعل رجولة هذا الإنسان تنحني لتسقط العبرات الغالية؟.... متى يبكي الرجل أمام الرجال؟ وأمام شهود العيان؟.
ومن قال أن الرجل لا يبكي ضعفا؟ ومن قال أن الرجل لا يُهزم؟ ومن قال أن الرجل لا يقهر؟...
لقد تعوذ الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام من الكسل والفقر وغلبة الدين وقهر الرجال
أفلا يضعف الرجل أمام المرأة ويبكي بعدها عندما يتذكر خطأه؟ ألا يُقهر الرجل عندما يحكم عليه ظلما؟ أو يهزم في معركة من المعارك أو يخيب ظنه بأحدهم أو يرى تجارته تنهار لسبب أو لآخر؟
أليس الرجل إنسان ذو قلب وأحاسيس ومشاعر؟
ألم يقل الله عز و جل في كتابه الكريم حين أهلك قوم فرعون (فما بكت عليهم السماء و الأرض و ما كانوا منظرين) وعندما سئل ابن عباس هل تبكى السماء والأرض على أحد؟ قال رضي الله عنه نعم، انه ليس أحد من الخلائق إلا وله باب في السماء منه ينزل رزقه و منه يصعد عمله فإذا مات المؤمن أغلق بابه من السماء الذي كان يصعد به عمله وينزل منه رزقه فقد بكى عليه، وإذا فقد مصلاه في الأرض التي كان يصلى فيها و يذكر الله عز وجل فيها بكت عليه... وما للأرض لا تبكى على عبد كان يعمرها بالركوع والسجود وما للسماء لا تبكى على عبد كان لتكبيره وتسبيحه فيها كدوى النحل
وحين تعمر مكانك وغرفتك بصلاة وذكر و تلاوة كتاب الله عز و جل.
ألا يبكى الرجل العجوز الذي حناه الدهر من شدة ما لاقى فيه من ويلات ومكائد... يبكي ولده!!... نعم، إن الأمر يستحق البكاء فسهر الليالي على تربيته وما أكثر الليالي الحالكة التي تعصف بالأبناء وخاصة في طفولتهم.
ألم يبكى سيدنا يعقوب وأبيضت عيناه من الحزن على ابنه يوسف عليهما السلام بعد أن غدر به أخوته وألقوه في البئر، وحينما يعجز الرجال عن فعل شيء قد يدفعهم ذلك إلى البكاء...
وقلة المال بين يدى الرجل قد تدفعه للبكاء خلوة مع نفسه حينما يرى أبناءه محرومين ولا يستطيع فعل شيء ولا حول له ولا قوة.
إذا ليس غريبا أن يبكي الرجال ورسولنا محمد عليه السلام أفضل الخلق قد بكى في مواقف كثيرة، بكى عليه السلام عندما بلغه نبأ مصرع قادة مؤتة الثلاثة، وحزن عليهم حزناً لم يحزن مثله قط، ومضى إلى أهليهم يعزيهم ولما بلغ بيت زيد بن حارثة لاذت به ابنته الصغيرة وهي مجهشة بالبكاء فبكى عليه السلام حتى انتحب، فقال له سعد بن عبادة: ما هذا يا رسول الله؟ فقال عليه الصلاة والسلام هذا بكاء الحبيب على حبيبه.
يقول صحبي ودمع العين منهمـــــر سيــلاً على الخد هطـالاً ومندفعــــــا
لم البكاء ولم تسمع بنـــــــــــــازلة؟ هذا البكاء لصب موجـــع فجعــــــــا
فقلت كفوا، فان القلب ويحكــــــــــم لو كان من صخرة صماء لانصدعـا
وكل إلف بكى من بعد صاحبــــــــــه عند الفراق ويشكو مابه وجعــــــــا
وبت ابكي ونار الشوق تقلقنــــــــي حتى رأيت عمود الصبح قد سطعــا
احفظ حبيبـك لاتقطع مودتـــــــــــــه لابارك الله فيمن خان أوقطعــــــــــا
إن المنازل تبنى بعد ماهدمـــــــــــت وليس يوصل رأس بعدما قطعـــــــا
البـكـــــــــــاء هـــــــــــو...،
البكاء أمر غريزي فطري، فالإنسان لا يملك دفع البكاء عن النفس...
يقول الله تعالى (وأنّه هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى) أي قضى أسباب الضحك والبكاء وقال عطاء بن أبي مسلم يعني أفرح وأحزن لأن الفرح يجلب الضحك والحزن يجلب البكاء
وهو من أهم الانفعالات الحيوية الذي يجب على الانسان أن يمارسها من فترة لأخرى... فلو عرفنا البكاء في بداية الأمر يمكننا أن نقول بأنه انفجار يحدث داخل جسم الإنسان نتيجة لبعض الضغوط أو المشاكل التي قد تواجهه وهذا الانفجار إما أن يظهر ويخرج بشكل دموع وإما أن يكبته الشخص في داخله فيتحول إلى حسرات وآهات قد تؤدي في النهاية إلى دمار الصحة و هلاكها... والبكاء أصدق تعبير عن المشاعر الإنسانية المختلطة فدموع العين نافذة تخرج منها كل ما يحتمل في النفس وتعبر عن حزن الإنسان أو سعادته وتخفف أثقال القلب والصدر وهي المتنفس الوحيد والصادق لنا... ويعرف آخرون البكاء بأنه استجابة طبيعية لما يحدث لدى الإنسان من توتر أو لما يحل به من حزن أو ألم.
للبكــــاء أيضـــاً فـوائــــــــد
البكاء نعمة، فقد ثبت علمياً بأنه يخفف الضغط و المتاعب على القلب
ويرى العلماء أن الدموع الأصلية سواء كانت دموع فرح أم ترح تساعد على إعادة التوازن لكيمياء الجسم كما أنها تساعد على العلاج النفسي والدموع تغسل العين وتذهب مرض المياه الزرقاء.
ولقد أثبت العلماء أن للدموع فوائد عديدة ولولاها لما احتمل كثيرون حياتهم والمواقف المؤلمة
فالإنسان عندما يشعر بالحزن يفرز جسده مواد كيميائية ضارة تساعد الدموع على التخلص منها
وتزيد من ضربات القلب فتعتبر تمريناً مفيداً للحجاب الحاجز
وعند الانتهاء من البكاء تعود عضلات القلب إلى وضعها الطبيعي وتسترخي ويتسلل للإنسان شعور غريب بالراحة يساعده على أن ينظر للهموم التي أبكته نظرةً أكثر وضوحاً وموضوعية...
فالدموع تغسل أحزان الروح وتعيد إلى النفس القدرة على التحمل والصبر.
وفى دراسة أجريت على البكاء تبين أن 85 % من النساء و73 % من الرجال الذين شملتهم الدراسة شعروا بالارتياح بعد البكاء، وجاء ذلك تأكيداً لما يراه العلماء من أن الدموع تخلص الجسم من المواد الكيميائية الناتجة عن الضغط النفسي.
أيضا من ضمن الفوائد العظيمة و أعلاها وأجلها هو البكاء من خشية الله فهو يورث القلب رقة وليناً
ويعتبر سمة من سمات الصالحين وصفة من صفات الخاشعين الوجلين أهل الجنة وطريق الفوز برضوان الله ومحبته.
متــى يبـكـــي الـرجــــال ...؟؟؟؟
قيل عن الرجل أنه لا يبكي إلا نادراً وإذا بكى كانت دموعه دم...
ويجب أن ندرك جميعا أن الفرح أو الألم حينما تكون منابعهما أقوى من كل قوة نمتلكها فإننا نبكى وحينها لا فرق يُذكر بين رجل أو امرأة.
بكاء الرجال يختلف من شخص لآخر وحسب المواقف والظروف التي يمر بها...
فهناك بكاء صامت يبكيه الرجل داخل قلبه عند كل فاجعة عظيمة ومصيبة كبيرة ولكنه لا يظهره حتى لاتغرق السفينة التي يعتبر ربانها...
وهناك بكاء الدموع تلك الدموع التي ظل يناضل لحبسها زمنا طويلا فتتسابق للخروج من مقلته، ولا يبكي الرجل هذا البكاء إلا عندما تضيق به السبل فنقول أنه قد بكى وحـق له البكاء.
ويبكى الرجل عندما يكون في قمة ضعفه وانكساره فتدمع عيناه من هذا الإنكسار.... ويبكى عندما يُظلم ويتعاقب على رأسه الذل وحينها يسقط بلاشعور باكياً، حينها تنكسر طاقة تحمله فتهل دموعه لاعبراته لأنه في قمة الحزن والهن...
وربما يبكي لشعوره بالندم ويبكي لحاجته للعطف أو الحنان أو لرغبته في البكاء أو ربما لينفس عن كرب أو ضائقة في داخله.
ولربما يبكي من الفرحة والسرور
ويبكي عندما يكون صاحب ضمير ونفس لوامة وقلب خاشع فيبكي من خشية الله تعالى سواء لشعور بالذنب ورجاء في المغفرة أو ابتغاء مرضاة الله
الخـــلاصـــــــــــة
البكاء فلسفة خاصة تخص مشاعرنا وأحاسيسنا عندما تصل إلى ذروتها نحتاج فعلا للبكاء،
وهو نعمـة من الخالق سبحانه وتعالى لتفريغ الشحنات السلبية أو لمحاكاة عميقة للنفس الخاشعة والمطمئنه ومواجهة يقف الشخص ضعيفاً أمامها وحينها فقط لا يجد سوى الدموع ليغسل بها هذه اللحظة.. فالرجل مخلوق كغيره والبكاء يريح النفس ويساعد الإنسان في التفريج عن مكنون نفسه سواء للمرأة أو للرجل فلقد رأيت رجال يبكون على أصغر الأمور ورأيت نساء لاتنزل الدمعة منهن في أصعب المواقف
فعدم البكاء ليس معيار للرجولة
والبكاء ليس معيار للنساء
نسأل الله أن يرزقنا قلباً خاشعاً ولساناً ذاكراً وعيناً دامعة .
__________________
هيا يا رجال اخبرونا عن رايكم