كنت أعتقد أنني أملك مفتاح السعادة
****************************
كنت تلميذة في الثانوي, متميزة جدا في دراستي مما جعلني أشغر الصدارة في قلوب أساتذتي وكان لذلك شأن عظيم في شعوري بالفخر. أضف أنني كنت الإبنة المدللة في العائلة و ذلك لأنني كنت الأفضل بين إخوتي سلوكا و دراسة و طاعة للوالدين.
كنت أيضا الأخت المحبوبة وسط ثلة من الرفاق يتهافتون لتحقيق رغباتي و يسعدون بمجالستى و يستمتعون بكل ما أقوله أو أفعله.
ملكت كل قلوب المحيطين بي مما جعلني أشعر أنني أملك مفتاح السعادة.
في المقابل, لم أسأل يوما نفسي هل أن الله يحبني و هل أنا أحبه.
الجواب كان بحوزتى, فأنا و إن سعيت طيلة حياتي للإستحواذ على قلوب الجميع و إرضائهم فإنني لم أسع يوما لإرضاء ربي و لم أركع له في حياتي ركعة و لم أقرأ له حرفا من كتابه لو لم يكن بغرض إجراء إختبار في المدرسة. كان معنى الحياة بالنسبة لي هو حب الناس و تحقيق الأحلام و النجاح و الصدارة في كل ما من شأنه أن يميزني عن غيري.
إلى أن قابلت يوما إنسانا كان ككل الناس منبهرا بشخصيتي. ولكنه كان الوحيد الذي لاحظ أنني و إن ملكت كل ما ملكت فأنا لست سعيدة و لم أعرف يوما طعم السعادة الخقيقي.
كان أستاذي و كان يكبرني بعشر سنوات. كنت على على أفضل علاقة به فقد كان صديق العائلة و هو ما كان سببا في توطد العلاقة.
كان يدرسني بمفردي لما رأى في من رغبة في حب المعرفة و طلب العلم. و كلما إكتمل الدرس قدم لى إسطوانة و طلب مني أن أطلع عليها على حاسوبى. لم أحاول يوما فتح إسطواناته لأنني كنت متأكدة أنها لا تحمل أغانى أو أفلاما فقد كان ملتزما و يكره ذلك.
إستمر تدريسه لى أشهرا و كان حلمه أن يراني يوما أسلك طريقه في الدراسة و أتجه نفس الإتجاه.
و في ليلة صيفية مقمرة رن هاتف البيت, حمل أبي السماعة و كنت إلى جانبه , لاحظت نبرة صوته الحزينة و عينيه اللتان نظرتا إلى في أسى و لوعة ثم قال "إننا لله و إنا إليه راجعون" و أغلق السماعة.
كنت أنتظر خبر من توفي, لم أكن أعتقد للحظة أنه من كان إلى جانبى منذ عدة أيام يدرسني. قال لى "تماسكي يا إبنتي إن الموت حق على الصغير و الكبير, البقاء في حياتك أستاذك الذي تحبين, توفي في حادث أليم".
نزل على الخبر كالصاعقة, "كيف, كيف يموت وهو شاب في مقتبل العمر, كيف يموت و هو يبدأ حياته, لا أكيد أنهم مخطؤون, إنه لا يزال صغيرا على الموت".
إسودت كل الدنيا في وجهى و لم أجد ملاذا. كل الدموع سكبتها و كل الآهات صرخت بها فقد كان بالأمس إلى جانبى يقول لى " سأفخر بتلميذتي النجيبة يوم أراها متخرجة و تقول ذلك أستاذي".
كم وددت أن يقاسمني سعادتي بالنجاح و تحقيق الأحلام.
كانت ليلة وفاته الأصعب على في حياتي, لم أجد مكانا يأويني و لا من يخفف على حزنا يقتلني. دخلت الحمام و جعلت رأسي للحنفية, ثم رفعته و نظرة لوجهي الكئب في المرآة. سكبت الماء فوق يدي, وعلى وجهي, مسحت رأسي و غسلت رجلي دون أن أدري. أجل أنا أتوضأ لأقابل ربي.
ثم دخلت اغرفتى, لبست ما يسترني, كبرت لله, ركعت و سجدت و تضرت لخالقي أن يلهمني صبرا على مصابى.
مرت الأيام, و لايزال طيفه يلاحقني.
وذات يوم و أنا أرتب غرفتي عثرت على الإسطوانات التي كان يعطيها لى إثر كل درس. هذه المرة لم ألقى بها ككل مرة. بل إحتضنتها و سارعت بها للحاسوب لأرى محتواها فقد أصبحت أهم ما أملك.
فتحت الإسطوانة الأولى فإذا بها عن عذاب تارك الصلاة, فتحت الثانية فإذا هى عن الحجاب , ثم الثالثة عن عذاب القبر, فنعيم الجنة و عذاب جهنم.
إنسابت دموعى و علمت حينها أنني من الغافلين و إلى بئس المصير إسير. من يومها لم أترك لى صلاة و لم أنزع عني حجابي و تعلق قلبى بربي و بكتابه و قرآنه.
من يومها تغيرت كل حياتي و حققت أفضل نجاح و سلكت أقوم مسلك.
من يومها ما أحسست بالوحدة, و كيف أحس بها و أنا في أنس الله أحيا.
حينها فقط عثرة على مفتاح السعادة الحققي و ألقيت عني مفتاحي الزائف . كانت هذه قصة إلتزامي و أنا اليوم أحيا ثماني سنوات بعد الحادثة لم أنسى فيها يوما أستاذي. لم يكن كغيره كالأساتذة الذين درسوني بأفواههم و تحركاتهم و كتبهم و ملاحظاتهم دروس التاريخ و الرياضيات و العلوم, بل كان أستاذي الذي درسني بصمت القبور و جمود الأموات كل معاني الحياة.
لم يبقى لى يا أستاذي إلا أن أطلب لك الرحمة و الغفران من الله.
وددت لو أنك تراني اليوم كما أردت ملتزمة في ديني و خريجة المعهد العالي الذي درست فيه أحمل شهادة في مجال إختصاصك