[color=darkblue][size=18]تعامل المعلم مع تلميذه
كما تعلمون أن التواصل المعلم بتلميذة هي الحلقة المفقودة في مدارسنا في ارخبيل سقطرى الباسله ولكن من المفروض علينا أن نسلط الضؤء على كيفية تتم العملية التواصلية بين الأستاذ و التلميذ بواسطة قنوات متعددة ، أبرزها كيفية
اللغة و الفكر، وفق محتوى المقرر الدراسي و طبيعته، وما يرتبط به من طرائق التدريس في إطار الديداكتيك الذي تتطلبه كل مادة من المواد ...وما يدعمها من عوامل مساعدة كالصوت و حسن التموقع و التحرك داخل فضاء القسم... و كلها مقومات تستدعي شروطا أخرى كانضباط التلاميذ و احترامهم لأستاذهم ...الخ. لكن رغم ما يمكن أن يحققه كل من جهاز البث لدى الأستاذ و جهاز التلقي لدى التلميذ من درجات الانسجام و التجاوب – في هذا السياق – إلا أن التواصل بين الجهازين لا يمكن أن يكتمل إلا في إطار احترام الأستاذ لشخصية التلميذ و كل ما يتصل بها من مرجعيات.
لا ينجح التواصل داخل القسم إلا انطلاقا من مبادئ أكد عليها علماء التربية الكبار، وهي الانسجام والتبادل المستمر و الفعالية، ولا يتم إلا بتبادل المعلومات و الأحاسيس و المواقف بين أطراف يوجدون في وضعية تواصلية، وبطريقة غير أحادية؛ هكذا يمكن للأستاذ أن ينجز درسا متكاملا من حيث المعارف و الخطوات المنهجية و غيرها، ولكن لا يكفي لتحقيق التواصل الذي يقوم على أساس استجابة الطرف الآخر، و هذه الاستجابة تتم بواسطة قنوات تواصلية عديدة، يشترط فيها التلميذ – ضمنيا- احترام الأستاذ لشخصيته، و إحساسه به و تقديره له. فالعلاقة البيداغوجية (عند مارسيل بوستيك مثلا) لا تكون تربوية إلا بانخراط كل الأطراف فيها، وتنشأ في اللقاء بين هذه الأطراف ظاهرة إنسانية يحس فيها الصغير بأنه يتجه نحو الكبير.
كما يجب على الأستاذ احترام الانتماء العرقي والقلبي للتلميذ، فلا يشعر تلاميذته بأي تمييز أو ميول تجاه عرق أو انتماء، وهذا ما ينطبق أيضا على ضرورة جعل التلاميذ سواسية مهما كانت طبقاتهم الاجتماعية ( ابن فلاح – ابن تاجر – ابن غني – ابن موظف عادي – ابن رجل سلطة – يتيم ... ) وعليه ألا يجعل القلم الأحمر سيفا لتصفية الحسابات الخارجة عن معايير التقييم والتنقيط الواضحة، وعليه ألا يستعمله أداة للمفاضلة بين التلاميذ بمبررات هامشية، فالتلميذ يراقب كل هذه المواقف المتخذة ويتأثر بها و من خلالها تنتج عدة ردود أفعال سلبية تجاه الأستاذ أو المؤسسة التعليمية أو المنظومة التربوية كاملة؛ وقد حث ديننا على مبدأ المساواة بوضوح عند تحديده لحقوق و واجبات الأفراد والجماعات. وغير بعيد عن هذا ينبغي عدم السخرية من الوضع المادي والشخصي للتلميذ والذي ساهمت فيه الظروف الاجتماعية والثقافية. فإذا كان حسن الهندام – مثلا – أمرا مرغوبا فيه، فإنه على الأستاذ ألا ينتج مواقف غير مسؤولة تحدث تشويشا داخل أجهزة التواصل عندما يرى التلميذ بلباس متسخ و متواضع يرتبط بوضعية الفقر، أو بلباس يساير الموضة العصرية، فالتلميذ كيان ينتظر الاعتراف، و يبحث عن مكان بين الناس، و يريد الاحترام لنفسه و لايقبل السخرية منه ... في حين يمكن أن يستجيب إذا كان الأستاذ ممن
يسعى تدريجيا إلى دفع التلاميذ لجعل هندامهم في مستوى المؤسسة التربوية، لأننا لا يمكن أن نتصور مؤسسة تربوية حقيقية تحتضن أشكالا لا أخلاقية من الهندام، والذي نقصد هو كيفية التأثير في سلوك التلميذ حتى يخرج عن النمط ( الشاذ ) من اللباس إلى النمط المقبول تربويا.
و من جهة أخرى، فإن تعامل الأستاذ مع تلاميذته على أساس أنهم سواء في الخلفيات و المنطلقات و السلوكات أمر خاطئ. بل عليه مراعاة هذا الاختلاف و التمايز، و تحويله إلى ظاهرة صحية تخدم التواصل و تسهم في تنمية فكر التلاميذ و قناعاتهم، مما يجعل الأستاذ أبا روحيا و قدوة حقيقية في مجالات التفكير السليم المنفتح. مثلا، فلبعض، التلاميذ ميولات دينية أو تقدمية، متشددة أو منفتحة، فليس ضروريا أن ينتمي الأستاذ إلى نفس اتجاهاتهم كي يتواصل معهم، كما لا يعني اختلافه معهم أن يعلن الحرب عليهم؛ بل للتواصل هنا مسلك واحد هو معاملتهم بموضوعية، و هذا لا يقوم له قائم إلا بفهم العمق الفكري للتلميذ، ثم العمل على حسن تدبير المنظومات الفكرية المؤطرة لتفكيره و معتقده، لأنه في سن يحتاج إلى مؤطر يصحح الأخطاء بتأن و تعقل و يحول تفكيره من الهشاشة إلى الصلابة، و من التعصب إلى الاعتدال؛ فمن مهام المدرسة تطهير الموروث الثقافي عن طريق تنقيحه من الممارسات السلبية. وقد جاء في " المبادئ الأساسية " للإصلاح : ( يقف المربون و المجتمع برمته تجاه المتعلمين عامة، و الأطفال خاصة، موقفا قوامه التفهم والإرشاد والمساعدة على التقوية التدريجية لسيرورتهم الفكرية و العملية و تنشئتهم على الاندماج الاجتماعي، و استيعاب القيم الدينية و الوطنية و المجتمعية ) الميثاق : كما أن موضوعية الأستاذ في التعامل مع الجميع يراقبها التلميذ باهتمام فائق، و يفيض اثرها باحترام الأستاذ الأب الروحي، وحبه، ثم حين يتأكد منها فإنه يصير مستعدا لتقبل توجيهاته و انتقاداته بصدر رحب، في جو من الثقة التي تعتبر ركائز التواصل الحقيقي، وقد أوضح ذلك علماء التواصل تحت مفهوم تصديق الرسالة الذي يعتبر شرطا مهما ليتم العمل بها.
و من واجب الأستاذ – كذلك – ألا يكثر التحريم و التحليل، و أن يتجنب إصدار الفتاوى القطعية، رغم حاجة التلميذ إلى أن يرى أفكاره تحسم من طرف الأستاذ؛ مثلما توجد أشياء كثيرة لا يمكن أن تقنع التلميذ مما يجعل الصرامة في الدعوة إليها مدعاة إلى التظاهر بالتجاوب معها، في حين سيعمل بعكسها. و على الأستاذ أيضا ألا يمارس مبدأ ( حلال علينا حرام عليكم ) في العديد من المواقف، أبرزها استعمال الهاتف المحمول، فنحن نعرف أن استعمال هذا الجهاز ممنوع على الطرفين داخل المؤسسة، لكن طالما يحمله الجميع في جيبه أو محفظته، فإن البعض ينساه دون إقفال، و الخطأ البشري وارد في كل زمان و مكان، لذا فمن غير المعقول أن يعاقب الأستاذ تلميذه على أي رنة هاتف تفلت، في حين يسمح لنفسه بذلك وأحيانا بأكثر منه كإجراء المكالمات الهاتفية ... الخ. و في هذا مافيه من أثر نفسي على التلاميذ و إحساس بالاحتقار و الميز.
هكذا فاحترام شخصية التلميذ لا يعني ترك ماهو قائم، بل التعامل مع الآخر بفهم خصائصه النفسية و تفسير سلوكاته عن وعي و حماية كيانه من كل ما يحرمه من الأمان و الثقة ... الخ و ذلك بوسائل كثيرة و متاحة. و قبل هذا و ذاك على الأستاذ أن يبدأ بنفسه أولا، و ينتج معها تواصلا ايجابيا عن طريق الوعي بالذات و المحيط و بالقدرات وحدود القوة و الضعف؛ و إلا فإنه لن يتقبل هذه الأفكار، مما يجعل مهام رجال التعليم نبيلة و خطيرة كلما كانوا في مستوى التواصل الإيجابي مع التلاميذ. هذا دون إهمال الإشارة، في هذه الخاتمة، إلى ما يعانيه الكثير من الأساتذة من تصرفات لا مسؤولة و لا أخلاقية من طرف العديد من التلاميذ، و هي خارجة عن المظاهر التربوية والاخلاقية لكي نربي جيل قوي الشخصية وواثق من قدراته العلمية والعملية .
الموضوع منقول.
[/size[/color]]