<BLOCKQUOTE class="postcontent restore ">
\\دُمُــوعُ الأمـــلِِ..ضريبةَ صداقَةٍ..!~!\\جَلَسَتْ بتثاقل على الأرضِ بعد أن فصل جسدها عنها ذلك البساط الخشن,و أسندت ظهرها بعد أن تربعت القرفصاء على حائط الارتياح علّه يكون ناقلاً ما ينقل ما حمله جسدها من حمولة التعب المضني فيذهب به إلى حيث لا تعلم.
ثم تنهّدت تنهيدةً زفرت من خلالها بعض ما يشوب أزقّةَ روحها المهشّمة,و سمحت لما بقي في مقلتيها من عبرات بالنزول علّها تكون أكثر حناناَ على وجنتيها من تلك الرزايا التي ألمّت بها.. فتسدّ رمقها و رمق شفتيها الواجمة.
وبعد ذلك أطلقت العنان لعينيها..لترمي بنظراتها الحائرة في ربوع ذكرياتها
المتجسّدة قاب قوسين أو أدنى
أمامها.
أمامها..أرض تتزاحم معالمها في الظهور، ورغم ظهورها ..إلا أنها لم تعرف لخط الأفقِ لقاء.
صُبِغت تلك الأرضيّة باللون الأسوَد,و كأنها ظلال قاتمة ارتسمت لما شابَها من
معالم.
و من المعالم..رفّ ذكرياتٍ يستوعب على طبقتيه ما قدّر له أن يحمل منها.
امتلأت الطبقة السفليّة بشتى أنواع الضحكات ,المرح,السعادة,الأحلام,والمشاعر الدافئة حيث كانت _برمّتها_ورديّة اللون يوماً..
و ما لبثت أن صدئت..فلم تكن أوفر حظّا من الطبقة العلويّة,التي اكتستها أغبرة الحزن لتعلوَ ما حُفِظَ عليه من أصوات بكاء,ألم ,ظلم,و حتى التضحيات.
فبات الرف بما يحمل
طيف ذكرى علّق بمسامير الوفاء على جدران الطيبة المتناثرةِ مع
الهواء.
الهواء ,هو هواء القلوب ,أو علّه زفيرها.
لم يفتأ ذلك القلب ذي اللون البنيّ المائل للسواد_والذي تجسّد أمام الفتاة _بنتحهِ خارج أسواره.
من يراه للوهلةِ الأولى يشكّ أنه كان في يومٍ قلباً..
ولكن.....بسبب جراحه متعبة النزيف,وتلك الخناجر الصدئة المزروعة فيه منذ زمن
و بسبب هزلهِ الغريب,لا بدّ و أنه
قلب.
قلبٌ لم يسلم_
كـغيره من القلوب_ من غدرِ الأيام ,فراحت أيادي القسوة تعذّبه ليل نهار وكانه قابعٌ في زنزانةِ تعذيب أزليّة ,حتى علته ملامح البرود ,الملل,الكآبة..و الألمـ..إلا أنه _ورغم ذلك كلّه_ لا يزال
ينبض.
ينبض,و يعزف ألحان الصّبر و الاحتمال,التي راحت تطير مع الأثير,تائهة في فضاء الأرض,حتى تلامس أغصاناَ منحنية ذابلة,محمولة على جذع شجرة الزيتون الواهية.
تلك الشجرة، لولا تمايل أغصانها مع نسمات الصبر و الاحتمال,لظننتَ أنها جثّة هامدة أكل عليها الدهر و شرب.
شجرة كانت ضحية الوعود و الأحلام المحفوظة كالآثار على ذلك الرف المهترئ.
ولكنها(
أي الشجرة) تنتظرت بشوق هطول أمطار العودة,حتى تروّي أوصال جذورها المتيبّسةِ ,علّها تعود خضراء اللون ريّانية
من جديد.
من جديد,هطَلت العبرات الحرّة من مقلتيّها تلك الصغيرة,و تقوّست شفتاها بعبوس. بكت ألما و شوقا على ماضِ و ذكرياتٍ بحجم
محيط..
محيطٌ,حمل قارباً صغيراً تجدّفه أيادي المحبة و السعادة,والذي حلّت به
لعنة الواقع ,لتقذفه _بعد أن هشّمته بجبروتها_على شاطئ الذكرى.
لتقول لراكبتيه الصغيرتين:
حان الوداع..حان الفراق مع الضياع.لم تكن تعلم أن من سمّتها (صديقتها) ستستسلم بسهولة لمثل هذه اللعنة
بل,ولم تكن تتوقع يوماً بأنها هي من سيتسبب بكل ما أصاب وجدانها من خراب
_و إن لم تكن تقصد_.
كانت تصبر,تنتحب بصمت,تحتمل كل الطعنات ,تتمسك بأحلى الذكريات,تعاملها بكل طيبة و وفاء, تتمسك بأي خيط أملٍ تخال أنه سيعيد ما كان.
تتناسى ما قد حدث منها و تهرع لكسب ودّها من جديد,بل و كانت تطلب منها ـن تعذرها بسبب شعورها بالألم الناتج عن جرحها,أما الأخيرة فلم تكن تكترث لهذا كلّه كما لمحت من خلال تصرفاتها القاسية.
كلّما تذكرت ماضيها ينغرس في صدرها تلك الصغيرة خنجراً م
سموماً,وكأن قلبها لا تكفيه الأفعال لتطعنه..بل حتى الذكريات.
و لكن ,في قرارة نفسها تثق أنها لم تكن ظالمة يوماً ,أنها مرتاحة الضمير,أنها ستبقى نقيّة صافية بريئة تحمل القلب الكبير, و أنها رغم مصابها إلا أنها تعلّمت الكثير..
تعلّمت أن قلبها عالم عذريّ لا يجب أن تسمح لأي كان من العبث فيه,و أنها لا يجب أن تفرغ طاقاتها ببناء صروح عاليات للناس في مخيلتها,حتى لا تُصدم إذا استيقظت ذات يومٍ فوجدت من بنته لأجله يهدمه بيديه دونما اهتمام بآلامها.
تعلّمت أنها و مهما حصل..يجب أن تعامل الناس بأخلاقها..لا بأخلاقهم..و على اختلاف أجناسهم..
تعلّمت..أن ما من شيء في الدنيا أشدّ مرارة من التمسك بالأحزان التي تعمي حاملها من عيش أحلى اللحظات..و تذوّق ألذّ ثمار الصداقةِ و أعذبها..
تعلّمت..أن تثق بقلبها و تمنح الناس فرصاً لا بأس بها ليعيشوا فيه,ولكنهم إن أصرّوا على مغادرته أو لم يعتنوا به كما يجب..فعليها أن تفتح لهم أوسع أبوابه و أن تودّعهم بابتسامة..وأن تحكم بعد ذلك إغلاق كل منافذ قلبها أمام أمثالهم.
و ثمرة
ما تعلّمته,أن لكل شيء نسعد به
ضريبة ندفعها_و إن لم نكن نعرف_
و أنها كانت تدفع ضريبة صداقتها بتلك الفتاةِ
دُموعَ الأمَلِ..نعم
دموع الأمل..كانت هي الضريبة..
دفعتها أياماَ طوالاً,ولكنّ عيناها أنهكهما التعب,و قلبها أضناه الألم .. فلم يعد يحتمل..
فكان عليها أن تنسحب,وأن تهتم بجراحها الدامية..فتلك الفتاة لا تملك حتى أن تقول كلمات اعتذار تداوي بها تلك النازفات.
شعرت بصدرها يكاد يتفتّق من شدّة الألم..
كلّ شيء كان أسوداً بعينيها..فلم تعد ترَ من حياتها الورديّة إلا ألوان ذكرى..
فغصّ قلبها بقوّة لتطلق آهة ثائرة في ضلوعها..قد ضجّت من طول الرقاد..ثم أغمضت عينيها مستسلمة..
و هنا..هبّت تلك النسمات العطرةُ حول الفتاة
أمل , كانت تنبعث من ذاك القلب الذي ما يزال تربة عشقتها شتى أنواع الورود التي فاحت بأريجها الآسر للألباب ليخترق ما للظلمة من عباب.
كانت تهمس بخفوت حانٍ في أذنيها:
لا تبالي فستشفى الجراح,وظلام الليل لــن يطول..اصمدي..لا تفقدي طيبتك ولا حنانكِ ولا نقائكِ ,حافظي على صفائي بكلّ قوتكِ,و لا تكترثي بكل تلك الطعنات فما هي إلا أوجاع قليلة ستكسبين من ورائها خبراتِ كثيرة تقوّيكِ وتحلّق بكِ في سماء الصداقة الصادقة و الإباء.و ثقي أن في يومِ ما ستنتزع تلك الخناجر يد حانية دافئة, و ستسري الدماء في عروقك,و ستتجدد خلايا الحب من جديد.هيّا..امسحي دموعكِ فهي أغلى من أن تذرف على من لا يستحق..وامسحي تلك الغشاوة السوداء عن عينيك..وانظري إلى عالمكِ الورديّ الصافي..!و هنا..نهضت أمل من مكانها بكلّ نشاطٍ ,بعد أن دبّت دماءُ الحياة في عروقها مرة أخرى,تناثرت خصلات شعرها الحريريّة تلهو مع الأثير,وكأنها لا تكترث بشيء.
ارتسمت على محيّاها ملامح البشر والارتياح,و تقوّست شفتاها بابتسامة براءة عذبة, ثم قبّلت الأفق الدامي بنظراتها التي اختزلت في ثناياها كل شعور بالسعادة و الفرح,و راحت تركض في الأرجاء نحو الأمام,صارخة بكل ما أوتيت حنجرتها من قوّة و عزيمة:
سوف أغرّد مثل الطيور و أنبت مثل الزهور سوف أجري مثل الرّياح وأشرق مثل الشمس في الصباح. ]مَــخْرَج..!]
مهما قست رياح الزمان على
قلوبنا..
و مهما أثقلتنا
جراحنا..
علينا الإيمان بأنها..
مجرد وعكاتٍ صحيّة..
و ستزول آثارها مهما طال الزمان..
و ستعود نقيّة صافية..و أقوى..
إن شاء
الله..
حفظ
الله قلوبكم من كلّ شرّ..
||~
والسّلام عليكم و رحمة الله و بركاته..
أختكم في الله
]هَمسة أمَل] </BLOCKQUOTE>